1

2




الجمع بين ثوابت الدين ومصالح الناس

وليصل لك كل جديدنا تـابعنا بتويتر


الجمع بين ثوابت الدين ومصالح الناس                                                   

 
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبيَّ بعده، وبعد:
فإنَّ الدِّين والدنيا قرينان متلازمان لا يفترقان، وإذا كان الدِّين هو أساسَ الخليقة وسبب الوجود، وعبادةُ الله هي واجبَ ومهمة الإنسان في الكون، ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾ [الذاريات: 56] - فإنَّ على الإنسان أن يعرف حقَّ الربوبية، وجلالَ المنعم؛ بأن يعبُدَه ويوحِّده ولا يشرك به شيئًا.

وكذا تنمية الكون وعمارة الحياة هي التي تكفل تحقيقَ الإيمان والعبادة، وغير الواجد وغير القادر على الحصول على مقومات حياته واستمرار بقائه لن يستطيع القيام بالفرائض والواجبات، وكذا فإنه لا يجوزُ الاستغراقُ في أركان وفرائض الدِّين وهجر أو ترك الدنيا، بل المطلوب العيشُ بهما على السواء؛ فالجمع بينهما مطلبٌ شرعيٌّ؛ قال الله ربُّ العالَمين: ﴿ وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ ﴾ [القصص: 77].

وقد ورد في الأثر: "اعمَلْ لدنياك كأنك تعيش أبدًا، واعمَلْ لآخرتك كأنك تموت غدًا"[1].

وإنما كان مقصود الشرع في تحصيل الحياتين الدنيوية والأخروية بموجب أنَّ ذلك لازمٌ للحفاظِ على كِيان الإنسان ومادته، الرُّوح والبدن، المعاش والمعاد، وأنه لا قوام للإنسان بدونهما، ولا استمرار لوجوده بدونهما.

ومن أجل ذلك شدَّد الإسلام على الجمع بين الإيمان والعمل؛ فالصِّدق والنظافة والإخلاص والنظام من دعائم الإيمان، وحفظ النفس والمال والعقل والنسل (أو العِرْض) مِن مقاصد الشرع.

والاقتران تحت ظلال عقد الزواج الشرعي، والالتزام بالحقوق والواجبات، هما مِن الثَّوابت في الدِّين، ومِن المصالح التي لا يستقيمُ نظامُ مجتمع أو حياة الناس بدونهما.

وتحقيق ذلك لكل الناس والأمم بلا تفرقة ولا تمييز: مطلَب إنساني، غاية الأمر أنَّ منهج الإسلام في الوفاء بهذه الواجبات يكون بقدر وعلى أساس التوازن بين المصالح الدينية والحياتية، بحسبان أنَّ كلاًّ منهما يتكامل مع الآخر، وأصلٌ له لا ينفك عنه.

ولم يكُنِ الدِّين الإسلامي في المسجد أو للإيمان والعبادة فقط، وإنما هو دين للحياة وللإنسان، والقائل بغير ذلك هو جاهلٌ بطبيعة الإسلام، أو غيرُ فَاقهٍ لجوهره وأسراره، أو معاند ومغرور، غير حريصٍ أو لا يأبَهُ بمعرفة حقيقة هذا الدِّين الذي جاء على مقتضى فطرة الإنسان وطبيعته المركّبة؛ قال ربنا - جل جلاله -: ﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [الروم: 30].

وصلِّ اللهمَّ على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه، وسلِّم تسليمًا كثيرًا



[1] لزم التنبيه على أنَّ هذا الأثر لا يصحُّ مرفوعًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
قال الشيخ الألباني رحمه الله :"لا أصل له مرفوعًا، وإن اشتهَر على الألسنة في الأزمنة المتأخرة"؛ يُنظر السلسلة الضعيفة (8).

شبكة الألوكة

336