1

2




شفاني الله بالفاتحة قصة من الواقع

وليصل لك كل جديدنا تـابعنا بتويتر


بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

توقفت الممرضة عن الكلام.. وأخذت تنظر إلى نتيجة الفحص، تغيرت ملامح وجهها.. أسرعت نحو الهاتف تستدعي الطبيب، فشعرت بالخوف يتسلل إلى قلبي.. لماذا بدا عليها القلق؟ هل نتيجة الفحص تستدعي حضور الطبيب بسرعة؟
كدت أن أصرخ بها..عدت أُطمئن نفسي.. إنها آلام بسيطة.. لا داعي للخوف.. إنها عادة الممرضات يظهرن المهارة.. ويضخمن الأمور..

حضر الطبيب.. نظر في نتيجة الفحص.. بدا عليه الذهول وإرتسمت في عينيه علامات الإستياء.. أيقنت بالخطر.. ترقرقت الدموع في عيني..

دكتور.. دكتور.. وجدت صعوبة بالغة في النطق بها.. التفت الطبيب نحوي.. بدا حزيناً.. سألته.. ما الذي تقوله الفحوصات؟

تحدث كثيراً.. وبكيت أكثر.. لم أعد أذكر من كلماته إلا تلك الجمل والتي حشد لها الكثير والكثير من العبارات التي حاول بها أن يصبرني ويذهب عني الخوف والفزع.. سرطان في الرحم، يجب استئصاله.. لابد من إجراء العملية بأسرع وقت.. أي تأخير قد يتسبب في إنتشار السرطان في جميع أجزاء الجسم.

أجهشت ببكاءٍ رهيب.. كلمة.. ماما.. أصبحت مستحيلة.. طفلٌ صغير.. أقبله.. أضمه إلى صدري.. مستحيل.. غربتي.. آلامي.. أحزاني.. أربعة أعوام مضت.. وكل يوم يمضي أشعر بأنني أقترب من الحلم.. تناهى إلى سمعي.. حديثي مع زوجي.. غداً نعود إلى الوطن.. ومعنا المال.. سنعيش سعداء، سيكون لنا منزل واسع.. الأطفال يلعبون من حولنا.. غداً.. غداً.. آآآهـ.. غداً الذي أرقبه بشوقٍ ولهفةٍ لن يأتي بعد اليوم.. بكيت بحرقة.. غبت عن الوعي لحظات.. وعندما أفقت وجدت زوجي بجانبي يحاول تهدئتي، أبصرت الحزن في عينيه، تساءلت في نفسي: هل حزنه بسبب مرضي أم بسبب الحلم الذي تلاشى، ولم يعد هناك أمل في تحقيقه؟..

أقبلت الممرضة.. بدأت الفحوصات إستعداداً للعملية.. الوقت يمضي جفت دموعي.. توقفت عن البكاء.. وإستسلمت للأمر الواقع.. جاء السرير أو جاء النعش ليحمل حلم حياتي إلى المقبرة، جاءت اللحظة التي لم أكن أتوقعها في يومٍ من الأيام، تمنيت لحظتها أن تنتزع روحي مع رحمي الذي سينتزعونه مني، أتراهم لا يعلمون أن هذا الرحم هو سر سعادة النساء وهو نعمة الرب علينا.. هو الذكرى الباقية والحياة الثانية، فيه نحفظ فلذات أكبادنا قبل أن نلقيهم إلى الأرض..

مضى بي السرير إلى غرفة العمليات، الخطوات صوت العجلات.. نغمات حزينة تشيعني.. أغمضت عيني، جرت الدموع على خدي.. زوجي يمسحها بيديه.. يربت على رأسي شعرت بالأسى عليه.

إقتربنا من غرفة العمليات، فُتح الباب الكبير، وقف الجميع.. ممنوع الدخول.. دخلت لوحدي.. منظر رهيب، أجساد تتحرك بشكل مرعب.. تلبس الرداء الأخضر.. الكمّامات تغطي وجوههم

تظهر العينان من خلال فتحتين صغيرتين وغالباً تختفي وراء النظارات الطبية، السرير في وسط الغرفة تحيط به الأجهزة المختلفة.. أدوات التشريح، تثير في النفس الخوف.. الكشافات الضوئية تسلط أشعتها على السرير، رائحة البنج تقتحم جيوبي الأنفية..

لم استطع تحمل تلك المناظر.. أغمضت عيني، تذكرت الأميرة والأمير وأبناءهما تذكرت القصر الكبير.. تذكرت الأميرة وهي تصلي.. تذكرت سجادتها التي تبدأ بها كلما عادت من سفرٍ، تعودت على تلك الكلمات: أحضروا لي السجادة لأصلي، تساءلت: لماذا لا تؤجل الصلاة.. خاصة أنها مرهقة من أثر السفر.. تذكرت ذلك اليوم عندما قلت لها: إرتاحي قليلاً فأنت متعبة.. غضبت حينها وقالت كلمات لم أستوعبها جيداً لكنني فهمت أن الصلاة هي أهم أمر بالنسبة لها.. تذكرت الأمير ومحافظته على الصلاة وكذلك الأبناء.. إنها أسرة كريمة.. تذكرت شهر رمضان.. تغيير شامل، صيام وصلاة.. يتحول القصر إلى مسجد كبير لا تسمع فيه سوى القرآن وصوت الأئمة وهم يرتلون القرآن..

في هذا القصر لم أسمع صوت موسيقى أو غناء، لم أشاهد أفلاماً ماجنة.. لم أجد منهم سوى المعاملة الحسنة.. الرفق واللين..

تذكرت سورة الفاتحة، تلك السورة التي كانت تتكرر مرات ومرات في القصر ومن خلال التلفاز أو المذياع.. ومن خلال المسجد القريب.. كنت أشعر بها تخاطبني.. تهزني.. تجعلني أعيش معها.. حتى حفظتها، وأخذت أكررها بيني وبين نفسي.. وفي غرفتي كنت أرفع بها صوتي، فيتعجب زوجي مني ويسألني: وهل تعرفي معناها؟ فأقول له: لا.. ولكنني أحبها.. أحبها كثيراً، تم نقلي إلى السرير الخاص بالعمليات، بدأ العد التنازلي للعملية.. طبيب التخدير يجهز أسلحته، لحظات ويغرزها في جسدي فلا أشعر بشيء.. رفعت رأسي إلى السماء، منظر الكشافات أرهبني، أخذت أردد سورة الفاتحة.. وأدعو الله أن يشفيني بها، يارب لقد أحببت هذه السورة فإجعل فيها شفائي.. يارب بحبي لهذه السورة فرج عني ما أجده.. بدأت العملية.. أقبل طبيب التخدير.. لم أستغرق وقتاً لكي أنام.. غبت عن الوجود، وعندما أفقت من التخدير.

كانت المفاجأة تنتظرني، الممرضة تناديني وعلى وجهها فرح عظيم، فيكتوريا.. فيكتوريا.. نظرت إليها.. لقد أزيل الخطر عنك يا فيكتوريا، لقد رفض الطبيب أن يستأصل الرحم وضعه مستقر يمكن إزالة الورم بالأدوية.

لم أصدق ما تقول.. أمعقول؟! لازال رحمي موجود.. حلم حياتي سيتحقق.. لم تتلاشَ آمالي.. سأسمع كلمة ماما، سيكون لي أطفال.. بكيت من الفرح.. الحمد لك يارب.. الحمد لك يارب، لقد استجبت دعائي.. سورة الفاتحة أنقذت حياتي.. لقد رحم الله ضعفي، لقد قبل الله دعائي وشفاني بسورة الفاتحة.

أخذت أردد سورة الفاتحة، أقبل الكلمات التي تنطلق في فضاء الغرفة.. شعرت كأنني أعانقها سوف أسلم.. سوف أعتنق هذا الدين.. من الآن أنا مسلمة، إنه الدين الحق.. لقد قبل الله دعائي بحبي للفاتحة..

طلبت من زوجي أن يذهب بي إلى قسم التوعية الدينية بالمستشفى، هتفت به.... أريد أن أسلم لا زلت متعبة.. نعود فيما بعد.. كلا ثم كلا.. أريد أن أعتنق الإسلام الآن.. أريد أن أشكر ربي الآن لقد أنقذني، لقد سمع ندائي وإستجاب لدعائي.. أريد أن أصبح مسلمة..

وبين يديّ الشيخ نطقت بالشهادتين بعد أن لقنني إياها: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله، وعندما رأى زوجي حالتي.. نطق بالشهادتين أيضاً.. عدت إلى القصر أحمل خبر إسلامي إلى الأميرة.. فرحت كثيراً، ثم قالت: أنت اليوم ابنتي، بكيت وأنا أسمع هذه الكلمات.. لقد زادت محبتي لها..

أيقنت أن الإسلام عظيم.. وأن المسلمين هم السعداء في هذه الحياة.. لقد أسلمت أنا وزوجي في يوم واحد، فحمدت الله أن ساقني إلى العمل في هذا القصر ومع هذه الأسرة الفاضلة التي دعتني بأفعالها.. بأخلاقها.. بمحافظتها على الصلاة والصيام، وسائر العبادات.. بما كان يصل إلى سمعي من آيات القرآن وخاصة سورة الفاتحة..

*أصل القصة نقلاً عن المكتب التعاوني لدعوة الجاليات بحي السلامة بجدة


الكاتب: عبدالله الهندي.

المصدر: موقع طريق التوبة.

336